سورة التوبة - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس} لا يغتسلون من جنابةٍ، ولا يتوضؤون من حدثٍ {فلا يقربوا المسجد الحرام} أَيْ: لا يدخلوا الحرم. مُنعوا من دخول الحرم، فالحرمُ حرامٌ على المشركين {بعد عامهم هذا} يعني: عام الفتح، فلمَّا مُنعوا من دخول الحرم قال المسلمون: إنَّهم كانوا يأتون بالميرة، فالآن تنقطع عنا المتاجر، فأنزل الله تعالى: {وإن خفتم عيلة} فقراً {فسوف يغنيكم الله من فضله} فأسلم أهل جدَّة وصنعاء وجرش، وحملوا الطَّعام إلى مكَّة، وكفاهم الله ما كانوا يتخوَّفون {إنَّ الله عليم} بما يصلحكم {حكيم} فيما حكم في المشركين، ثمَّ نزل في جهاد أهل الكتاب من اليهود والنَّصارى قوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} يعني: كإيمان الموحِّدين وإيمانُهم غيرُ إيمانٍ إذا لم يؤمنوا بمحمد {ولا يحرِّمون ما حرم الله ورسوله} يعني: الخمر والميسر {ولا يدينون دين الحق} لا يتدينون بدين الإِسلام {حتى يعطوا الجزية} وهي ما يعطي المعاهِد على عهده {عن يد} يعطونها بأيديهم يمشون بها كارهين، ولا يجيئون بها ركباناً، ولا يرسلون بها {وهم صاغرون} ذليلون مقهورون يُجَرُّون إلى الموضع الذي تقبض منهم فيه بالعنف، حتى يؤدُّوها من يدهم.
{وقالت اليهود عزير ابنُ الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم} ليس فيه برهانٌ ولا بيانٌ، إنَّما هو قولٌ بالفم فقط {يُضاهئون} يتشبَّهون بقول المشركين حين قالوا: الملائكة بنات الله، وقد أخبر الله عنهم. بقوله: {وخرقوا له بنين وبناتٍ} {قاتلهم الله} لعنهم الله {أنى يؤفكون} كيف يُصرفون عن الحقِّ بعد وضوح الدَّليل حتى يجعلوا لله الولد، وهذا تعجيب للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم} علماؤهم وعُبَّادهم {أرباباً} آلهةً {من دون الله} حيث أطاعوهم في تحليل ما حرَّم الله، وتحريم ما أحلَّ الله {والمسيح ابن مريم} اتخذوه ربَّاً {وما أمروا} في التَّوراة والإِنجيل {إلاَّ ليعبدوا إلهاً واحداً} وهو الذي لا إله غيره {سبحانه عمَّا يشركون} تنزيهاً له عن شركهم.
{يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم} يخمدوا دين الإِسلام بتكذيبهم {ويأبى الله إلاَّ أن يتم نوره} إلاَّ أَنْ يُظهر دينه.
{هو الذي أرسل رسوله} محمداً {بالهدى} بالقرآن {ودين الحق} الحنيفيَّة {ليظهره على الدين كله} ليعليَه على جميع الأديان.


{يا أيها الذين آمنوا إنَّ كثيراً من الأحبار الرهبان} من فقهاء أهل الكتاب وعلمائهم {ليأكلون أموال الناس بالباطل} يعني: ما يأخذونه من الرُّشا في الحكم {ويصدون عن سبيل الله} ويصرفون النَّاس عن الإِيمان بمحمَّد عليه السَّلام، ثمَّ أنزل في مانعي الزَّكاة من أهل القبلة: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} لا يُؤَدُّون زكاتها {فبشرهم بعذاب أليم} أخبرهم أنَّ لهم عذاباً أليماً.
{يوم يحمى عليها} يوم تدخل كنوزهم النَّار حتى تحمى وتشتدَّ حرارتها {فتكوى بها} أَيْ: فلتصق بجباههم وجنوبهم وظهورهم حتى يلتقي الحرُّ في أجوافهم، ويقال لهم: هذا الذي تكوون به ما جمعتم لأنفسكم، وبخلتم به عن حقِّ الله {فذوقوا} العذاب ب {ما كنتم تكنزون}.
{إنَّ عدَّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً} عدد شهور المسلمين التي تُعبِّدوا بأن يجعلوها لسنتهم اثنا عشر شهراً، على منازل القمر واستهلال الأهلَّة، لا كما يعدُّه أهل الرُّوم وفارس {في كتاب الله} في الإِمام الذي عند الله كتبه يوم خلق السَّموات والأرض {منها أربعة حرم} رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرَّم، يعظهم انتهاك المحارم فيها بأشدَّ ممَّا يعظم في غيرها {ذلك الدين القيم} الحساب المستقيم {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} تحفَّظوا من أنفسكم في الحرم، فإنَّ الحسنات فيهن تضعف، وكذلك السيئات {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} قاتلوهم كلَّهم، ولا تُحَابوا بعضهم بترك القتال، كما إنَّهم يستحلُّون قتال جميعكم {واعلموا أنَّ الله مع المتقين} مع أوليائه الذين يخافونه.
{إنما النسيء} تأخير حرمةِ شهرٍ حرَّمه الله إلى شهرٍ آخر لم يحرِّمه، وذلك أنَّ العرب في الجاهليَّة ربما كانت تستحلُّ المحرم، وتحرِّم بدله صفر، فأخبر الله تعالى أنَّ ذلك كلَّه {زيادة في الكفر} حيث أحلُّوا ما حرَّم الله، وحرَّموا ما أحلَّ الله {يضل به} بذلك التَّأخير {الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً} إذا قاتلوا فيه أحلُّوه وحرَّموا مكانه صفر، وإذا لم يقاتلوا فيه حرَّموه {ليواطئوا} ليوافقوا {عدَّة ما حرم الله} وهو أنَّهم لم يُحلُّوا شهراً من الحرم إلاَّ حرَّموا مكانه شهراً من الحلال، ولم يحرِّموا شهراً من الحلال إلاَّ أحلُّوا مكانه شهراً من الحرم، لئلا يكون الحرم أكثر من الأربعة كما حرَّم الله، فيكون موافقة للعدد. {زين لهم سوء أعمالهم} زيَّن لهم الشَّيطان ذلك.


{يا أيها الذين آمنوا ما لكم} نزلت في حثِّ المؤمنين على غزوة تبوك، وذلك أنَّهم دُعوا إليها في زمان عسرةٍ من النَّاس، وجدبٍ من البلاد، وشدةٍ من الحرِّ، فشقَّ عليهم الخروج، فأنزل الله تعالى: {ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله} أخرجوا في الجهاد لحرب العدوِّ {اثاقلتم إلى الأرض} أَحْبَبْتُمْ المقام {أرضيتم بالحياة الدنيا} بدلاً {من الآخرة} يعني: الجنَّة {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة} يريد: الدُّنيا كلَّها {إلاَّ قليل} عند شيءٍ من الجنَّة.
{إلاَّ تنفروا} تخرجوا مع نبيِّكم إلى الجهاد {يعذبكم عذاباً أليماً} بالقحط وحبس المطر {ويستبدل قوماً غيركم} يأت بقومٍ آخرين ينصرُ بهم رسوله {ولا تضرّوه شيئاً} لأنَّ الله عصمه عن النَّاس، ولا يخذله أَنْ تثاقلتم، كما لم يضرَّه قلَّة ناصريه حين كان بمكَّة وهم به الكفَّار، فتولَّى الله نصره، وهو قوله: {إلاَّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا} أَيْ: اضطروه إلى الخروج لمَّا همُّوا بقتله، فكانوا سبباً لخروجه من مكَّة هارباً منهم، {ثاني اثنين} أَيْ: واحد اثنين هو صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، والمعنى: نصره الله منفرداً إلاَّ من أبي بكر: {إذْ هما في الغار} هو غارٌ في جبل مكة يقال له: ثور {إذْ يقول لصاحبه} أبي بكر: {لا تحزن} وذلك أنَّه خاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم الطَّلب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تحزن إنَّ الله معنا} يمنعهم منَّا، وينصرنا {فأنزل الله سكينته} ألقى في قلب أبي بكر ما سكن به، {وأيده} أَيْ: رسوله {بجنود لم تروها} قوَّاه وأعانه بالملائكة يوم بدر. أخبر أنَّه صرف عنه كيد أعدائه، ثمَّ أظهره: نصره بالملائكة يوم بدر {وجعل كلمة الذين كفروا} وهي كلمة الشِّرك {السفلى وكلمة الله هي العليا} يعني: كلمة التَّوحيد لأنَّها علت وظهرت، وكان هذا يوم بدر.
{انفروا خفافاً وثقالاً} شباباً وشيوخاً {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم} من التَّثاقل إلى الأرض {إن كنتم تعلمون} ما لكم من الثَّواب والجزاء، ثمَّ نزل في المنافقين الذين تخلَّفوا عن هذه الغزوة: {ولو كان عرضاً قريباً} أَيْ: لو كان ما دُعوا إليه غنيمةً قريبةً {وسفراً قاصداً} قريباً هيِّناً {لاتبعوك} طمعاً في الغنيمة {ولكن بعدت عليهم الشقة} المسافة {وسيحلفون بالله} عندك إذا رجعت إليهم {لو استطعنا لخرجنا معكم} لو قدرنا وكان لنا سعةٌ من المال {يهلكون أنفسهم} بالكذب والنِّفاق {والله يعلم إنهم لكاذبون} لأنَّهم كانوا يستطيعون الخروج.
{عفا الله عنك لم أذنت لهم} كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لطائفةٍ في التَّخلُّف عنه، من غير مؤامرةٍ، ولم يكن له أن يمضي شيئاً إلاَّ بوحي، فعاتبه الله سبحانه، وقال: لم أَذنت لهم في التَّخلُّف {حتى يتبيَّن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} حتى تعرف مَنْ له العذر منهم، ومَنْ لا عذر له، فيكون إذنك لمَنْ له العذر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8